Friday, August 12, 2016

الرواكيب الصغيرة

*(والرواكيب الصغيرة تبقا أكبر من مدن)!*
عادل عسوم
لان طربت -ولم أزل -لراحلنا مصطفى سيدأحمد وهو يهتف في أذن الزمن نمشي في كل الدروب الواسعة ديك
والرواكيب الصغيرة تبقى أكبر من مدن
ايدي في أيدك نغني
واللاّ نحنا مع الطيور المابتعرف ليها خرطة
ولا في ايدا جواز سفر
فان طربي كان لايوصف عندما رأيت (راكوبة) من تلك الرواكيب تتسع بالفعل لتصبح أكبر من مدن!
*فالبيوت -وان اتسعت وسمقت طوابقها-قد تفوقها الراكوبة أو القطية ...مبعثا للسعادة والحب والالفة والتحنان!!*
...
انها صبية شبّت في بيت شقيقتي التي يدير زوجها مركزا دينيا في أمبدة...
جاء بها أهلها لتتربي لديهم حُبّاً في أن تترعرع في بيت يكنون لأهله كل احترام وتقدير واعزاز...
نشأت الطفلة في كنفهم فما كان منهم الاّ أن ألحقوها -مع أبنائهم- بالمدرسة الى ان تخرجت معلمة من كلية التربية باحدى جامعات العاصمة...
وما لبث أن خطبها قريب لها يقاسم أهلها السكنى في أرض فلاة تتوسط الطريق بين العاصمة والولاية الشمالية...
فأصرت الصبية بان نشاركها فرحها بُعيد عيد الفطر الذي مضى بايام ...
انطلقتُ في معية اسرة شقيقتي مجاملا...
وصلنا مضاربهم فاذا بها (رواكيب) و (قطاطي) يتبدّى الشظف والقتر من ظاهرها ولكن!...
ولجتُها فاذا بي أغني مع أبواللمين:
سالت مشاعر الناس جداول
أما الريح فان وشوشتها في الباب ماكانت تنم عن أسى على فقدٍ بل ترحيب وابتهاج بقدوم لاحباب...
نظرت يمنة فاذا بالعريس (حسن) يمسك بيد عروسه ييممان صوب (راكوبة) نصبوها لهما بالجوار ...
العينان منهما تبوحان للكون (حب الدنيا كلو)...
مشى حسن على الرمل (حافي حالق) والضريرة تضج من فوق رأسه وتهتف...بأن يادنيا جاكي عريس...
ومشت في ركابه عروسه حافية (يسيل من شعرها الذهب) ويهتف...بأن ياأرض احفظي ماعليكي...
نظرت الى الدرب الذي سارا عليه فاذا به من السعة بحيث يسع كل السوح والفضاءات...
ما كان مني الاّ غنيت بلسانيهما:
نمشي في كل الدروب الواسعة ديك
والرواكيب الصغيرة تبقى أكبر من مدن
ايدي في ايدك نغني
واللاّ نحنا مع الطيور المابتعرف ليها خرط
ولا في أيدا جواز سفر
وصلناهم ظهرا...
والظهر في صحرائنا عوالم لا يقو على تحمّلها الاّ من هيأه الله الى ذلك!
...
تقدمنا زوج أختي ...فانكب الناس على يمينه مقبلين وهو ينهاهم وينأى بها رابتا على الأكتاف محييا و...مقالدا...
وهنا تقدم المستقبلين والد العروس وبيده مدية آمرا جمعنا بأن نقف حيث نحن...
ورفع كفه مناديا ...
فاذا بابنه يجر من خلفه (كبشا) اقرنا ...ليتبعه صبيان آخران بكبشين رديفين...
شرع الأب في ذبح الخراف واحدا تلو الآخر ...
ثم تقدم الى زوج شقيقتي قائلا:
-يلا ياشيخنا اتعدوا الضبايح دي وباركوها...
ف(تعدينا) الذبائح وواصلنا (مقالدين) لمستقبلينا...
...
أخذوا الرجال منا الى (راكوبة وااااسعة) ما فتئ الولدان يرشّون رمالها بالماء...
ولجنا فوجدنا ال(عناقريب) قد رصّت على الجوانب ليس عليها سوى (مخدات) نظيفات وأنيقات...
تقدم شقيق العروس الى شقيقي -وقد بان لي بأنهما يعرفان بعضيهما قبلا-ودعانا للجلوس والاستلقاء على تلك العناقريب ال(هبابية)...
فجلست على احداها ...
وهنا تبدّت لي الحكمة في قول شقيقتي لي عند تحركنا من الخرطوم:
-ياريتك ياعادل أخوي لو كان لبست ليك جلابية!
ساعتها لم أدرك مراداتها ومآلات حديثها
لكنني مع الجلسة على ال(عنقريب) ...علمت المرادات والمآلات...
...
تمددت على (عنقريبي) فأتانا الصبية بمياه باااااردة!!
انتبه شقيقي الى دهشتي فأشار بيده الى (سعن) ماء كبير وضعوه في مدخل الراكوبة من جهة مهب الريح وقد بقي صبيان يرشان الماء عليه كلما جف...
قلت مخاطبا شقيقي:
-هو بالله الموية البااااردة دي موية سعن؟!!
فردّ عليّ شقيقي باسما:
-دا اسمو (سقو) ياعادل اخوي ما (سعن)
لا ادري...
منذ أن وطأت قدماي تلك السوح والفضاءات ظلت تتردد في خاطري كلمات الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء». ثم قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم: (فطرة اللَّـه التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق اللَّـه).
...
لعل الرابط هنا هو هذه الفطرة النقية البيضاء التي تجلل وجدان واهاب أولئك القوم!
الكرم هنا صادق...
والصدق هنا له بريق...
اذ كم تضفي المدائن من غبش على دواخلنا ياأحباب!
ذات البساطة التي في سمت معاشهم تجدها في متن حديثهم وابتساماتهم و...قهقهاتهم
...
خلدنا الى هدأة من بعد طعام شهي...
أغفى الناس كلهم...ونأى عني النوم...
فانسللت من بين (سقوات) الماء لأجد نفسي بين يدي الصحراء الفسيحة...
ياااااه
لكأن الأرض قد طليت بماء الذهب!
وافترّت ثغورها عن شجيرات من الحلفا وشئ من عُشب قليل...
أدرت بصري في جنباتها فلم أجد الاّ بعض جمال ترعي...
وارهفت سمعي فاذا بثغاء شياه يأتي من البعيد...
يالهذه الصحراء والبوادي...
كم هي حبيبة الى نفس الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه...
لقد أرضع وحبى فيها...
ومشى عليها...
ولعب على أديمها...
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله علية وسلـم قال:
(ما بعث الله نبياً ألا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت فقال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) رواه البخاري
وما فتئت الصحاري والبوادي ملجأ وملاذا للصالحين والعباد...
...
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رجل أي الناس أفضل يا رسول الله ؟ قال : (مؤمن مجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله ) قال : ثم من؟ قال( رجل معتزل فى شعب من الشعاب يعبد ربه )
ويقول العلامة بن خلدون فى مقدمته تحت عنوان البدو أقدم من الحضر وسابق عليه :
(أن البدو هم المقتصرون على الضروري فى أحوالهم وعوائهم وأن الحضر هم المعتنون بحاجات الترف فى أحوالهم وعوائهم) ثم يقول ...
فخشونة البداوة قبل رقة الحضارة)
...
ملأت قبضة يدي من رمال الصحراء الصفراء ونثرتها في وجه الرياح...
تناثرت حبات الرمل بعييييدا الى جهة الجنوب...
هذه الرمال بلغة الكيمياء هي ثاني أوكسيد السيليكون (SIO2)...وهو المادة الخام لصناعة الزجاج
تذكرت مقولة دكتور كرم الله الذي درست على يديه الكيمياء في جامعة أم القرى بمكة المكرمة...
قال لنا دكتور كرم الله وهو يخاطب طلبة ينتمون الى العديد من الدول العربية:
توجد في السودان أنقى أنواع الرمال لصناعة الزجاج (البايركس) ولا تشاركه دولة عربية في ذلك سوى موريتانيا!
انبرى أحد الزملاء السعوديين وقال:
لدينا في السعودية صحراء الربع الخالي فكيف هي رمالها؟
أجاب الدكتور:
رمال الربع الخالي ذات بلورات دقيقة ومختلطة بالعديد من الأكاسيد الاخرى أما رمال الصحراء الكبرى فهي ذات بلورات أكبر ونقيه!!
وهنا...
تذكرت (قيزان) الرمال الضخمة في شمالنا الحبيب...
ترقد على الرمل فلا يتسخ لك ثوب ولا تشوبه شائبة!
حتى النساء أذكر جيدا أنهن يغسلن الملابس وينثرنها (ريقان) على سوح تلك القيزان
أما جلسات طرب الصبية على تلك القيزان وبين ظهرانيهم طنابيرهم فحدث عنها ولا حرج
ألا لهذه الرمال!
كم هي نقية...
وكم هي وضيئة...
...
تيامنت في موقفي ذاك فاذا بطريق شريان الشمال يتلوى كثعبان (أليف) على أديم صحرائنا تلك...
كم أفاد الناس من هذا الطريق!
وكم أراح أهلي ذاك الطريق!
تبسمت وقد نبا الى خاطري وصف أحد زملاء الاغتراب من أبناء الرباطاب لطريق الشمال...
قال لي صديقي وكان قد عاد لتوه بعيد قضائه لاجازته السنوية في السودان:
-تعرف ياالسنجك...
الحيكومة دي سوّتلكم شارع زلط أملااااااس متل ضهر الكديسة
قلت له:
-صدقني كم عانى أهلي قبل هذا الطريق!
حريٌّ وقمنٌ بي أن أزجي الشكر لكل من ساهم وشارك في انشاء وتعبيد شريان شمالنا هذا...
اذ من لا يشكر الناس لا يشكر الله
...
ودلفت من انحناءة الطريق سيارتان يعلوهما خلق كثير
عدت أدراجي الى الخيمة فرأيت وجوها باسمة لأقرباء لأهل الدار قيل لي بأنهم من شمال كردفان
فأهل الدار من قبيلة الهواوير...
وهي قبيلة تساكن أهلي الشايقية بالشمالية وتنتمي بجذورها الى ولاية شمال كردفان...
هم قوم سمحي السمت والدواخل...
الابتسامة تجدها (أصيلة) على وجوههم طرا
ما أجمل أن يبقى المرء بين هؤلاء القوم!!!
...
عدت أدراجي مرحبا بالقادمين...
ما أجمل عناقهم ياأحباب!
يمد الرجل يده للآخر...فتتماس الأصابع ثم يرفعان يديهما الى أعلى والكفان متماسان مرات ومرات...
ويتخلل كل تماس واستعلاء لليدين سؤال عن حال ومآل:
وليداتك وعوينك...
حاجة كلتوم...
حاج صالح...
ولا تستثنى الغنيمات والبقيرات عن السؤال عن الحال والمآل!
ثم يعقب ذلك عناق حار وربت على الظهور والأكتاف...
أما الشيوخ منهم فيعمد الشباب الى تقبيلهم على رؤسهم تعظيما واجلالا
وكلما يأتي دوري لا أنل من القادم منهم سوى مصافحة من بعيد واعتذار يغلفه حياء عن اتساخ الملابس نتاج غبار الطريق وجهد الرحلة
ثم نحى بعض الضيوف الى حيث العربتين لينزلوا منهما (عجلين سمينين لهما خوار)...
وشرع أطولهم (شاربا) في شحذ مدية أخرجها من جفير يتدلى من عضد يده وبدأ في ذبح العجلين...
وانطلقوا جميعا الى زوج شقيقتي منادين له بأن يتعدى ويبارك لهم الذبائح...
...
آل العجلان الى أكوام من لحم تحت ايدي الرجال...
وما لبث أن نُقل الشباب اللحم الى خيمة تؤمها النسوة ليؤل الى ثريد وطعام شهي...
...
مالت الشمس قليلا...
فاذا بي أسمع رغاء كثيفا لجمال بالجوار...
خرجنا ...
فاذا بالشباب يمتطون ظهور النوق والجمال وقد تهيأوا للسباق...
وخرجت النساء وبين ايديهن طبل يضربن عليه فيرجحنُّ...
وتراص الرجال صفا وشرعو يحاكون بحناجرهم وكرير صدورهم (رغاء) الجمال:
همّم ...همّم...همّم
همّم...همّم...همّممم
اتبعوها باغنية (الليمونة) التي مافتئت (حرم النور) تغنيها دوما
وافتتحت أم العروس الرقص وبجانبها رصيفات لها في عمرها...
ثم أتى دور الصبايا فرقصن رقصا طروبا...
وكان من نصيبي (شبال) لم أزل أتحسس اثر شعر صاحبته الطويل على ظهري
تلفحت الشمس بقرمصيصها مئذنة بالغروب...
وعدنا أدراجنا الى ال(رواكيب) ...
فاذا بالصبية طوافين علينا ب(كفتيرات) شاي المغرب...
وبينهم من يحمل(جكوكا) ملأى بحليب الابل (لمن اراد)...
وجاءني جعفر...
انه يافع يدرس في جامعة النيلين ...
وعتدما يجالسك...
تتلمس فيه سيماء شاب يتوقد ذكاء واريحية...
قال لي جعفر وهو يمد لي يدا من وداد:
-فرصة سعيدة ياأستاذ عادل عسوم...
(بصراحة قريت ليك كتير في عدد من الصحف والمنتديات ومعجب كتير بي بوست كتبتو انت عن الأرتقاء بالوجدان)!...
صدقا فاجأني حديثه...
شكرته على ذلك ...
فاذا به ييمم الى طرف (الراكوبة) ليأتيني ب(لابتوب) ويريني ذات ال(بوست) الذي ذكر في منتدى التوثيق الشامل!
...
يالهذه التقنية التي لم تدع -حتى-صحارينا لتشعل فيها قناديل العلم والمعرفة والتنوير!
...
شرع جعفر يحدثني عن قبيلة الهواوير-وهو يقرأ لي ذلك من احدى المنتديات:
اقتباس:
استقرت قبيلة الهواوير العريقة -بعد دخولها السودان من مصر بعد قتل الشيخ همام بدسيسة من المماليك- في قرية (ابوعروق) والتي تعد من اهم قري الهواير في شمال كردفان حيث ادي الي تفكك مملكة الهوارة بالصعيد وتفرقهم ايدي سبأ منهم من رحلوا الي دول المغرب ومنهم هذا الجزء الذي رحل الي السودان واستقروا اولا علي النيل بالقرب من منطقة حسين نارتي ومازال مكان موردهم باسمهم ثم الي منطقة السيال بقنتي والي جبرة ام حمال بعد المهدية ثم ابوعروق والمحبس والشراك والضباع والكري وعيلاي وبعد سنين القحط والجفاف نزح كثير من ابناء القبيلة الي الولاية الشالية حبث عملوا عمالا وتجارا بها ونزح جزء الي الي ولاية الخرطوم (مدينةامدرمان )وكونوا بها احياءا كاملة مثل الحارة 26 (الصافية الجديدة) وايد الولي وتتكون قبيلة الهواوير من عشرة فروع هي الحرارين والخماسي والتماسيح والموالكة والحباساب والجوتاب والفزاراب والفجاجين والرباب والصالحاب .
خلدنا الى نومة هانئة بين ظهراني تلك الصحراء الموحية...
يالليل الصحراء!
ما لبثت أن ومضت في خاطري مقدمة أديبنا معاوية محد نور تلك:
الوقت ليل.. والكون ساج نائم، فما تسمع نأمة ولا تري حركة، ولا تحس سوي الركود والأغفاء، والسكون الشامل، والظلام الصافي، والهدأة الناعسة، ولقد تحس الحين بعد الحين حركة ضئيلة، او تسمع صوتاً خافتاً فيزداد إحساسك بذلك الصمت ويشتد تقديرك لذلك السكون ويأخذك ذلك السحر، وتستولي علي نفسك تلك الهدأة ويغمرك ذلك الصفاء، فتروح في عالم الاحلام والذكريات وتدلف الي عوالم الفكر والعواطف المشجيات.
وقد خيل الي أن الحياة قد وقفت فجأة، وأن الوجود قد أخلد الي نومة هادئة ويعديني ذلك الشجو والسهوم فلا استطيع أنا الآخر حركة او قياماً
...
لكأنه كان معنا...
لكأنه!
...
وانسرب الليل...
وبان الخيط الأبيض من الأسود من الفجر
فقام ابن اختي يؤذن للفجر
توضأنا واستوينا وأمّنا زوج شقيقتي بطلب من والد العروس
وأتى الصبية بذات الأباريق الملأى بشاي الصباح وبعض حليب للنوق
ما ان وضعنا أكواب الشاي الاّ وبانت بالجوار أعناق النوق عليها الفرسان
وجاؤا للعريس بجمل يجمّله خصر بديع
قال لي جعفر
-الجمل دا جمل سباق لي عمنا علي أبوعثمان الراكب فوق الجمل التالت من اليمين داك...
وتعجبت عندما أبان لي عثمان بأن أباه قد باع رصيفا لجمل السباق هذا الى الشيخ زايد بن سلطان ابن نهيان بمائة مليون من الجنيهات السودانية قبل أعوام
قفز العريس -برشاقة-فوق الجمل
واصطف الشباب دون ميس خطه أبو العروس بعصاه
و(قجّت) زغاريد النسوة من أطراف الرواكيب
وانداحت انداهن صوتا تغني للعريس
ياااااااه
ما أجمل هذا السودان
هؤلاء نسوة في اقاصي صحرائنا العزيزة...
جعلن تراث (كل) القبائل تراثا لهم!
أحسست ساعتها بأني اقف (في) مقرن النيلين
أنظر الى النيل الآتي من الجنوب ميمما الى الشمال
وهو وان لم يتشرف بالمرور على هؤلاء الاّ أن أشواقه قد طالتهم
اشواقٌ ترجمتها اغاني السيرة التي جادت بها قريحة من سكنوا شطآنه...
هاهي قد وسعتهم ووسعت أهلنا اولئك
وانطلق العريس كالهلال والفرسان في ركابه كالأنجم الزواهر
اشعة شمس الصباح تتلألأ دون (قرمصيصه) ...
وتتداخل اشعتها مع بريق الأهلة التي تتزاحم على جبينه
و...
حال الغبار دون رؤيتنا للجمال
أو لعل الفرسان قد بعدوا عنا كثيرا
...
وتغير الايقاع الى ال(تمتم)
يالجمال هذا الايقاع
وشرعت النسوة يحاكين الحمام
والفتيات كأنهن السمبر وطيور الجنة
...
ولاح الفرسان يتقدمهم العريس
واذا بأخوان العريس ينطلقون الى خيمة العريس ليحملوا العروس على (بنبر) ليخطفها منهم العريس!
تم ذلك بسرعة عجيبة
وانطلق العريس تشيعه زغاريد النسوة الى أن اختفى عن الانظار
التفتُّ فاذا بجعفر يبتسم لي ويقول:
دي عاداتنا يااستاذ.
...
ومع اختفاء ركب العريس...
بانت في من الجانب الايمن سحابة من غبار...
أمعنت النظر فاذا بفرسان على ظهور الجياد!
وهنا...
نبا الى خاطري وصف اديبنا (حسن نجيلة) عندما وصف ذات المشهد في كتابه البديع (ذكرياتي في دار البادية)!...
وصل ركب الفرسان...
فاذا بكل فارس (يردف) زوجه!
صدقوني رأيت احداهن وهي حامل!!
سالت جعفر...
فأجابني بأنها (عادة) لديهم بأن يأتي كل من تزوج حديثا بعروسه بهذه الطريقة...
واضاف بأنهم يبقون بالجوار الى أن يعلمهم شخص يبعث اليهم بأن العريس قد غادر المكان بعد أن يردف معه عروسه!
وبدأت اسال نفسي:
كل هذه التفاصيل الا تدل عن ماض (تليد) لهذه القبائل؟!
انها (حقا) تنبي بالكثير المثير في حياة هذه القبائل استصحابا لماض سحيق...
كم لُمتُ نفسي وأنا أراهم بعين تغمطهم كثيرا عندما يأتوننا هناك في الشمال خلال موسم (حش التمر) فيعملون أجراء ونعطيم اليسير!
يالهذا الفقر الذي يحني جباه الفرسان
ويالهذه المسغبة التي تثاقل الى الأرض بأمرأة فارسة (وهي حامل)!!...
فالشجاعة وال(فرسنة) من سماتهم...
وهم كذلك من الذكاء بمكان!
حدثني صديقي الدكتورعبدالمنعم حسين -قبيل هجرته-عندما كان محاضرا في جامعة الخرطوم بأنهم قد أجروا اختبارات الذكاء لعينات من (جل) قبائل السودان التي (يرجحون) عدم اختلاطها بالأعراق الأخرى...
الهواوير كانوا أحداها...
قال الدكتور:
لقد وجدنا بأن معامل الذكاء لدى هؤلاء يعدُ من (أعلى) معدلات الذكاء في مجموعة عرقية -واحدة- في السودان!
...
أما عن سيماء الوسامة والجمال فيهم!
فقد حكى عن ذلك أحمد وعروسه...
(العينان منهما تبوحان للكون (حب الدنيا كلو)...
مشى حسن على الرمل (حافي حالق) والضريرة تضج من فوق رأسه وتهتف...بأن يادنيا جاكي عريس...
ومشت في ركابه عروسه حافية (يسيل من شعرها الذهب) ويهتف...بأن ياأرض احفظي ماعليكي...
نظرت الى الدرب الذي سارا عليه فاذا به من السعة بحيث يسع كل السوح والفضاءات...
ما كان مني الاّ غنيت بلسانيهما:
نمشي في كل الدروب الواسعة ديك
والرواكيب الصغيرة تبقى أكبر من مدن
ايدي في ايدك نغني
واللاّ نحنا مع الطيور المابتعرف ليها خرطة
ولا في أيدا جواز سفر.
adilassoom@gmail.com

https://youtu.be/JdVcHdMQ8l4

No comments:

Post a Comment

من هو الافضل للسودان

ويسألونك ..؟ محمد امين ابوالعواتك في اوقات الظلم وغياب السلم والامان والفقدان الموجع.. إن من يصنع الفرق هو كل من يوقد الامل وينشر شعاعه ويصن...

Search This Blog