توثيق جدير بالمطالعة
شــرح لـمعانى رمـز جامعة الخـرطـوم -
بقلم النذير دفع الله
الجامعات هى مواطن العلم وكما ان للاوطان القومية اعلاما وشعارات كذلك تتخذ الجامعات اعلاما تبرز ذاتيتها فى اطار حضارة الامة التى تنتمى اليها وشعارات تلخص مثلها العليا واهدافها التى تسعى لبلوغها فى الغالب الاعم يولد علم الجامعة مع قيامها كجامعة لها ذاتيتها , ولكن هذه القاعدة لم تنطبق على جامعة الخرطوم ذلك لانها لم تقم كجامعة من البدايه كما هو الحال فى قيام الجامعات الحديثة بل وصلت الى مرتبة الجامعة نتيجة لعملية تطور تدريجى اكتملت مراحله مع استقلال السودان(1956م) .
بدأ التعليم العالى فى السودان بكلية الطب منها مدرسة كتشنر الطبية التى انشئت عام 1924 وتخرجت اول دفعة عام 1928 – وظلت المدرسة العليا الوحيده لمدة اربع وعشرين عاما تديرها ( مصلحة الخدمات الطبية ) فى ذلك الوقت , وفى عام 1938 انشئت مدرستا الزراعة والطب البيطرى تحت ادارة مصلحتى الزراعة والخدمات البيطرية ثم مدرستا العلوم والهندسة عام 1939 ثم الاداب التى ضمت الحقوق عام 1940 وتبعت ادارة الثلاثة الاخيرة مصلحة المعارف.
بعد لجنة (اسكوث) ألتى كونتها الحكومة البريطانية لتدرس امكانات تطور التعليم العالى فى المستعمرات والتى شملت بصفة خاصة السودان الذى لم يكن تتبع وزراة المستعمرات البريطانية رؤى ان توضع المدارس العليا ماعدا مدرسة الطب تحت ادارة موحدة مستقلة وتسمى المجمع ((كلية غردون التذكارية)) ( فى الاصل كانت كلية غردون مدرسة ثانوية انتهى عملها على هذا المستوى بعد الحرب العالمية الثانية بقيام مدرستى حنتوب ووادى سيدنا ) . تم قيام الكلية فى منتصف نوفمبر عام 1944, وكون لها مجلس من 36 عضوا من بينهم اثنان من مجلس الجامعات البريطانية .
فى عام 1951 انضمت مدرسة الطب الى المجموعة التى تطورت بناء على توصية اخرى من لجنة اسكوث الى كلية الخرطوم الجامعية واصبح فى مقدور الطلاب المبرزين الحصول على بكارليوس جامعة لندن بينما استمرت شهادة الكلية الجامعية نفسها على مستوى الدبلوم . فى اليوم الرابع والعشرين من يوليو عام 1956 وهو اليوم المعين الذى حدده مجلس السيادة اثر المرسوم البرلمانى الذى اجيز فى يونيو من ذلك العام اعلن بلوغ الكلية الجامعية مرتبة الجامعة وتغير الاسم فأصبحت جامعة الخرطوم .
مما تقدم من سرد تاريخى موجز نرى ان تطور الجامعة اتى تدريجيا الامر الذى لم يلفت نظر القائمين على امرها لاهمية وجود علم يميزها أو شعار يهتدى به وقد قامت شامخة معترفا بها تضمنت مبادئ قيامها فلسفتها . وحتى فى السنه الاولى من عهد ادارتى عام 1962 لم افتقد وجود العلم والشعار .. ولكنى افتقدت ذلك فى العام الثانى وبالتحديد فى سبتمبر عام 1963 عندما استضافت الجامعة اول مؤتمر لعمداء الجامعات الافريقية حيث تبينت لى فى تلك المناسبة الاهمية فى ان يكون للجامعة علم وشعار يعرفها فى مثل هذه المناسبات ويكون رمزا يميز شهاداتها ومطبوعاتها وازيائها ..
بذا ولدت الفكرة - لكن لم اتعجل التنفيذ أذ رايت ان يتبع العلم والشعار فى داخل الجامعة مصورا المعانى المتضمنة فى الجامعة نفسها واستبعدت فى الوهله الاولى طرح الموضوع فى مسابقة عامة , اذا اخذت افكر بتأنى مشركا معى الفنان ابراهيم الصلحى . جـــــال فكرى على مــر الايام حول ثلاثة معالم هى :- المعرفه المتفتحة يرمز اليها بالكتاب المفتوح . خصوبة ارضنا وكرم اهلنا ومهد حضارتنا نرمز اليها بالنيل وفرعية النيل الازرق والنيل الابيض . نهضة التعليم الحديث فى السودان الذى يتمثل فى قيام اول مدرسة حديثه تطورت بمرور الايام لتصبح مجمع المدارس العليا ثم الكلية الجامعية ثم الجامعة . شعار فى كلمات تتضمن غاية الغايات وهى معرفة الله سبحانه وتعالى والحقيقة التى تمثل الوسيلة - والتى بتسخيرها يبنى الوطن وتسهم فى تقدم الانسانية .
✨ هكذا ( الله الحقيقة الوطن الانسانية ) ✨
فى مارس عام 1966 اجتمعت بالاخ الصلحى وشرحت له مجال بخاطرى من افكار ووضعنا ( كروكى ) للاطار الخارجى والنيل بفرعية ورسم يبين النيل الازرق والابيض يمثل مبنى الجامعة ينبعث منه اشعاعات كما طلبت منه ان يبرز الشعار وهو الله . الحقيقة . الوطن . الانسانية بشكل هرمى من الناحية اليمنى من العلم . اخيرا رجوته الا يتقيد بالكروكى فى اطلاق موهبتة الفنية اذ المهم ابراز الفكرة ان شاء فى نماذج متعدده . وفى يوليو وافانى الصلحى بعدد من النماذج من بينها واحد صاغ بريشتة فكرتنا الاولى . جعل الكتاب المفتوح يحتل الجزء الاعلى من العلم , يقسم دفتيه عموديا خطان متوازيان جنبا الى جنب الخط الايمن ازرق والايسر ابيض ثم يتفرعان فيسير الخط الازرق فى خط مائل الى اليمين مع اسفل الصفحة اليمنى ويسير الابيض فى خط مائل الى اليسار فى اسفل الصفحة اليسرى , الخطان المتوازيان يمثلان نهر النيل والمائلان يمثلان النيل الازرق والابيض يمنة ويسرة على التوالى . فى الجزء الواقع بين النيلين وضع رسما يمثل مبنى الجامعة والمكتبة الان وتنبعث منه خطوط بيضاء ( نور العلم ) تمتد داخل خلفية سوداء ( ظلام الجهل ) تحت المبنى كما هو واضح وضعنا بالعربية كلمتى جامعة الخرطوم . الشعار يحتل وسط الصفحة اليمنى من الكتاب . والنماذج الاخرى كانت مختلفة فى تضمينها . فى 21 اغسطس عام 1966 اقمت حفل شاى بمنزلى دعوت اليه عمداء الكليات والمشرف على شئون الطلاب ومشرفى الداخليات واعضاء لجنة اتحاد الطلبة , وعرضت عليهم النماذج التى اعدها الاستاذ الصلحى بعد ترقيمها وكانت اربعه اذا لم تخنى الذاكرة وطلبت من كل ان يوافينى برقم النموذج الذى يختار بعد شرح ماتضمنت من افكار . فضل المجتمعون النموذج الذى سبق سرد معالمه ولكن واحد من المجتمعين وهو الاخ الدكتور عثمان سيد احمد الذى كان مشرفا على شئون الطلاب فى ذلك الوقت ابدى تحفظا فى غاية الوجاهه وهو ان كل النماذج اتت خلوا من شكل يرمز لحضارتنا السودانية الاصيلة . هذه الملاحظة كانت الدافع الى البحث عن معلم يشير الى الحضارة المروية القديمة . فرجعت الى مصدر رئيسى فى الحضارة المروية وهو كتاب (قريفث) من الخط المروى - نبتة الى انس الوجود ومتنوعات (طبعة1912) . وجدت فيه شكلا للوحة من الحجر عليها كتابة بالحروف المروية التى لم يتوصل علماء الاثار حتى الان الى معرفتها انما توصلو بالمقارنة مع اللغة الهيروغليفية التى كان يكتب بها الملوك الى معرفة ابجديتها (اى الكتابه المروية) . اللوحه مستطيلة الشكل وقد قدمها احد افراد الشعب هدية الى الاله ايزيس ام الاجيال التى تزداد حكمتها بتعاقب ماتنجب من اجيال ( فكرة الجامعة ) . ايزيس فى صورة كبش نفرتيتى . قررنا ان نضع الشكل على الصفحة اليسرى فى الكتاب المفتوح وعلى راسها (وهى على شكل لوح الخلوة ) رأس نفرتيتى . (الدائرة فى اعلا الشكل والخطان المتفرعان فى اعلى الدائرة) وقد رأيت ان اكتب عليها بالاحرف المروية التى كانت تكتب فى اليمين الى الشمال ج خرطوم . بحثت فى الابجدية المروية فلم اجد حرف الواو او مايشابهما نطقا – فأكتفيت بكتابة خ ر ط م وهى الاربع علامات فى نص اللوحة لترمز لجامعة الخرطوم فى جهة ولتبرز التحدى الذى تواجهه الجامعة فى أماطة اللثام عن حضارة سودانية عريقة لازالت لغتها مجهولة .
بعد ذلك قام السيد ابراهيم الصلحى بوضع التصميم النهائى الذى اكتمل فى ديسمبر 1966. الطريف اننا دعينا لحضور حفل افتتاح جامعة الكويت فى اكتوبر (كمااذكر) عام 1966 قبل ان يتم الوصول الى فكرة اللوحة المروية , ورايت ان اقدم لجامعة الكويت هدية ترمز الى الجامعة فقدمنا العلم منحوت على نحاس من غير اللوحة التى تحتل الصفحة اليسرى من الكتاب المفتوح . اكتمل التصميم الفنى والتلوين ثم طبع العلم وانتاجة بواسطة الفنان مجذوب رباح ورفع لاول مرة فى حفل التخريج فى الثانى من شهر مارس عام 1967
نشر شرح للعلم باللغة الانجليزية فى مجلة السودان فى مدونات وسجلات بعددها الصادر فى عام 1969. تلـخـيصا لـمـا يـتـضـمـنه العــلـم اخـتـتـم بـالاتـى:- الجامعة هى الارادة الفعالة للوصول الى الحقيقة . الحقيقة التى تسمو اللى تعميق الايمان بالله سبحانه وتعالى عن طريق الكشف عن اسرار مخلوقاتة -
✨ ( انما يخشى الله من عباده العلماء) . ✨
وتسخير المعرفة , معرفة الحقيقة , نشيد صرح الوطن ونسهم فى تقدم وسمو الانسان. الجامعة هى رمز القيم السامية المتمثلة فى نيل المقصد وتحدى الصعاب وكشف التراث والسير بالامة ومعها خادما ودليلا.
الجامعة هى الام التى تتضاعف حكمتها وتسمو مكانتها بتضاعف ماتعلم من اجيال. الجامعة هى نبراس يشع اضواء العلم ويبدد دياجير الجهل ثمرها غير مقصور على من يدخلها وانما يعم الامة التى شيدتها لتعود الفائدة عليهم
( ✨وقل رب زدنى علما ✨ )
صدق الله العظيم .