🔴 قصة «أنجل وإبراهيم».
💥❤💥❤💥❤💥❤
قصة «أنجل وإبراهيم»..
أستاذ جامعي أميركي يتبرع بكليته لزميله السوداني
المتبرع أنجل لـ«الشرق الأوسط»: زوجتي ووالدي استحسنا قراري
* المتلقي إبراهيم: كان يحل مكاني في التدريس أثناء مرضي ولا يقبل أجرا وعرض علي كليته برسالة
* تتداول دوائر أكاديمية وجامعية وطبية في منطقة واشنطن وواشنطن الكبرى في فيرجينيا واليكساندريا وميريلاند خبرا قليلا في سطوره كبيرا وعميقا ومؤثرا في معناه: محاضر أميركي في جامعة «ستراير» يتبرع بكليته لزميله السوداني المحاضر في الجامعة نفسها. ويكاد أعضاء الجالية السودانية المقيمون في تلك الرقعة بالذات، وفي الولايات المتحدة عموما، تعقد ألسنتهم الدهشة وهم يتابعون كيف اقدم أميركي مسيحي من أصل بورتوريكي في الثالثة والخمسين من عمره بدعم من زوجته وأصدقائه وأهله، خاصة والده، على التبرع بكلية لزميله السوداني المسلم في هيئة التدريس البالغ من العمر 36 عاما، وبالذات عندما تجري مقارنة ـ لا مفر منها ـ بين ما يجري من عنف وتذبيح يجتاح منطقتنا العربية والاسلامية، وبين مشاعر فياضة بالمحبة حملها اليهم هذا المثال المتقدم للعلاقات البشرية السوية، التي تشحذ عقل المرء ووجدانه بحب الخير، وتباعد بينه وبين مشاعر العداء والكره البغيضة. وفي هذا التحقيق تابع المهدي عبد الوهاب تفاصيل ما جرى في هذه القصة الواقعية والشفيفة وتحدث الى أطرافها.
* تبرع أستاذ جامعي أميركي في الرياضيات وعلوم الكومبيوتر بكليته لزميل له في جامعة «ستراير» في فيرجينيا بنفس الكلية. وأجريت العملية في مستشفى فيرفاكس بولاية فيرجينيا. وتمت بنجاح، وغادر المريضان المتبرع والمتلقي المستشفى الى منزليهما فيما تستعد جالية السودانيين لعقد احتفال كبير بنجاح العملية لعضو الجالية وللمتبرع له الأميركي.
المتبرع بكليته هو الأكاديمي الدكتور انجل ريمون مارتنيز، من مواليد 3 اكتوبر (تشرين الأول) 1950 في بورتوريكو. هاجر الى الولايات المتحدة عام 1976 وعمل لشركة «ميرك آند كيميكال» العاملة في مجال الأحياء الدقيقة والتخمير «نايكروبايولوجي آند فيرمنتيشن». وفي عام 1986 ترك الشركة ليعمل للحكومة الأميركية في أبحاث العمليات، ولاحقا تخصص وتفرغ في مجال علوم الكومبيوتر ونظمها. نال البكالوريوس من جامعة جيمس ماديسون عام 1980 والماجستير من «معهد فيرجينيا بوليتكنيك» عام 1994. ونال درجة الدكتوراه في الاحصاء الكومبيوتري عام 2003. وزوجته الدكتورة وندي مارتنيز المحاضرة في علوم الكومبيوتر تعمل أيضا للحكومة الأميركية في مجالات الاحصاء والرياضيات. وتجمعهما هوايات مشتركة أهمها دراسة الانجيل والقراءة، وتدريس الرياضيات الذي، حسب تعبيرهما، يجدانه لا تدانيه متعة. وهما معا يحاضران في جامعة «ستراير» بفيرجينيا. ولهما أربعة اولاد.
اما المتلقي فهو الأستاذ الجامعي ابراهيم محمد احمد الحاج، 36 عاما، من مواطني مدينة الحصاحيصا وود سلفاب في ولاية الجزيرة بالسودان، خريج كلية الاقتصاد في جامعة الخرطوم، وكنيته التي يعرف بها «ابراهيم السمين». يعمل حاليا رئيسا لشعبة الكومبيوتر والمعلومات في جامعة «ستراير». متزوج وله 3 أطفال (وجيدة وهشام ووضاح). زوجته أنوار عبد الوهاب نور الدائم، من مدينة ام درمان، خريجة جامعة مدراس بالهند، وموظفة حاليا بالملحقية الثقافية السعودية في واشنطن. ويقيمون بصفة مستمرة في الولايات المتحدة ومعهما أطفالهما.
* بدايات القصة
* يقول الدكتور انجل مارتنيز: «قابلت ابراهيم في جامعة ستراير قبل عدة سنوات حيث كنا نحاضر للطلاب في نظم معلومات الكومبيوتر. وذات يوم أواخر السنة الماضية، ربما في اكتوبر أو أواخر سبتمبر، قابلته وكانت تبدو عليه سعادة غامرة، فسألته لأشاركه سعادته، فأخبرني أنه وزوجته أنوار رزقا بمولود ثالث». ويمضي انجل ساردا كيف أنه بعد فترة قصيرة من تلك السعادة التقى ابراهيم ولاحظ فيه قنوطا وحيرة. فسأله أيضا، وعلم منه انه أصيب بفشل كلوي يستدعي خضوعه لغسيل متكرر.
أخذ انجل يفكر منذ تلك اللحظة في «ذلك الشاب الذي يحتاج لكل قوته وقدراته الجسدية والذهنية ليواصل كسب عيشه الى جانب واجباته تجاه أسرته، زوجته وأطفاله الثلاثة». ويقول انجل «لطالما فكرت مرارا في أن الغسيل الكلوي متعب ومرهق لرجل مثله هذا ناهيك عن الواجبات التي لا تنقطع في أي يوم تجاه الأسرة وخاصة الصغار.. قلت لنفسي لا بد انه يكابد في كل ذلك». واستمر انجل يفكر ويقارن. بمن؟ بنفسه ووضعه. يقول «أولادي كبروا وصاروا مسؤولين عن أنفسهم وأديت تجاههم ما يقوم به ابراهيم الآن ولكني كنت بكامل صحتي». ويواصل انجل ذكرياته مع خطواته نحو التبرع بكليته لابراهيم فيقول «عندما بدأت أفكر في الأمر بجدية اكتشفت أنني أجهل فصيلة دمي، وللتبرع بكلية فإن أول أمر يجب التأكد منه هو معرفة فصيلة الدم. فذهبت وتبرعت بدمي ومنه عرفت أن فصيلة دمي مطابقة لفصيلة دم ابراهيم. وفي ذلك الوقت نما الى علمي أن قريبا لابراهيم في طريقه الى فيرجينيا ليتبرع بكليته وأجرى الكشوفات اللازمة فلم أقل شيئا لابراهيم أو أخبره بنيتي. ثم علمت من ابراهيم أن الأطباء الذين أجروا الفحوصات لقريبه نصحوه بأن كليته ذات طبيعة نادرة لا تجعلها صالحة للتبرع بها.
* والد انجل: ابراهيم صار لي ابنا
* سألت «الشرق الأوسط» انجل كيف استقبلت زوجته وكيف استقبل ابراهيم قراره بالتبرع؟ فأوضح انجل بقوله: زوجتي دعمت الفكرة منذ البداية فهي تعرف ابراهيم من الجامعة، بل كانت مستعدة لمثل هذه القرار لأنها تعلم انه يعاني بصفة خاصة من الفشل وعمليات الغسيل. وقد أخبرتني عندما ابلغتها قراري أن واحدا من طلابها قال لها من قبل إنه سيتبرع بكليته لأحد أصدقائه. وعجبت أول الأمر لأن ثمة اعتقادا سائدا أن من يتبرعون يجب أن يكون لهم قرابة دم مع المتلقين. وبعد فترة أيضا قرأت زوجتي في صحيفة أن معلمة تبرعت بكليتها لأحد تلامذتها الصغار. لذلك لم تتردد عندما عرفت قراري بالتبرع لابراهيم. ولكن بالطبع تطرأ أسئلة مبعثها القلق من المستقبل يسألها المرء لنفسه: وماذا إذا احتجت يوما ما لكلتا كليتي. وعلى كل حال توصلنا معا إلى أننا لا يمكن ان نحيا على هواجس «ماذا لو و ماذا لو؟» وعلينا ان نقوي ايماننا بالله.
قال انجل إن ابراهيم كان قلقا في البداية وبدا عليه تردد، إذ أنه مر بتجربة قبل مدة قصيرة مع قريب تبرع له ولم تسعف تفاصيل الفحوصات الفكرة. وقال «أعتقد إنه لم يكن في البداية متحمسا ليرفع آماله مثلما فعل منذ حين. وظل يسألني إن كنت فعلا أريد ان أقوم بمثل هذا التبرع! ولعل من الأمانة ان اذكر أن ابراهيم وأسرته ظلوا مهتمين بصحتي وأحوالي طوال فترة الفحوصات وبمراجعتي حول ما إذا كنت مصمما على هذه الخطوة». وأضاف انجل أن «أهل ابراهيم ظلوا يدعون الله في مساجدهم وكنائسهم واستجاب الله للدعاء وها نحن الآن نتماثل للشفاء». عاد قريب ابراهيم أدراجه الى لندن، ورجع ابراهيم ليواصل جلسات الغسيل المرهقة والانتظار! فقد تأتي كلية من متبرع بعد الوفاة تناسب توصيف كليته وطبيعة أنسجته، اليوم، أو غدا، أو بعد أسبوع، أو بعد شهر، شهرين، خمسة أشهر، أو عامين أو خمسة أعوام! لا شيء يمكن أن يقال حول هكذا احتمالات. فقد انتظر شقيق لابراهيم أصابه فشل كلوي من قبل لأكثر من 4 سنوات حتى جاءت لحظة «المواءمة»، ونجحت عمليته.
أما انجل، وقد هزه هذه المرة انخذال صديقه بعد قبوله فكرة التبرع من شقيق زوجته، فقد اتخذ قراره، وبعد أيام قليلة بعد ذلك فؤجىء ابراهيم برسالة مخطوطة باليد في فتحة خطاباته بالكلية «البيجون هول». فتحها ليقرأ ما كتبه له انجل: هل تقبل مني كلية؟ أرجوك اتصل بي.
* ابراهيم: انجل اسم على مسمى
* ابراهيم يحكي قصة الصبر والصداقة والوفاء من أكثر من زاوية أكثرها تعبيرا هي تلك اللحظات التي لا يجد فيها الكلمات فيكتفي بقول «إن انجل (وتعني بالعربية ملاك) هو فعلا اسم على مسمى.. لقد تعامل مع اسمه بجدية». وسألت «الشرق الأوسط» ابراهيم روايته فشرح في اسهاب كيف تم التشخيص النهائي لحالة الفشل الكلوي المزمن وكيف ان زملاءه تعاملوا معه بكثير من المودة والتقدير وذلك باعطائه جدولا مناسبا للحصص والسمنارات لظروف الغسيل. ولكن كان ثمة زميل له اسبق في العطاء والمبادرة ومداومة السؤال عن حاله وصحته ورفاهية أسرته «ذلكم هو زميلي الدكتور انجل مارتنيز، وهو مهندس متعاون مع الجامعة لتدريس مواد الاحصاء القياسي والرياضيات. وزوجته وندي مارتنيز، وهي ايضا متعاونة مع الجامعة وتدرس نفس المواد».
ويتابع ابراهيم: بدأت علاقتي مع هذه الأسرة الفاضلة، كعلاقة عمل. لكن مع بداية مرضي وجدت منهما اهتماما خاصا نحوي. يسألونني دائما عن صحتي وعن عائلتي ودراستي عندما بدأت التحضير للدكتوراه في جامعة جيمس ماديسون، وهي نفس الجامعة التي تخرجا فيها. ومرة، اثناء جلوسي بالمكتب تلفني الحيرة، جاءتني الدكتورة وندي تسأل عن تطور الاحداث، وأبلغتني أن زوجها الدكتور انجل يرغب في القيام بحل محلي لتدريس بعض المواد التي ادرسها بقصد تغطية غيابي بشرط ان لا ادفع له مقابل ذلك. هزني هذا الموقف لكبر ما فيه من مشاعر انسانية حقيقية. وذلك الامتنان زاده ادراكي لسرعة ايقاع الحياة هنا وصعوبة ايجاد زمن كاف لأداء أي من الاعمال الاخرى.
* زوجة ابراهيم وأصدقاؤها الجدد
* تحدثت أنوار عبد الوهاب زوجة ابراهيم عن صديقهم انجل، عن شخصيته وزوجته وعن لقاء الاسرتين يوم العملية بقولها «انجل شخص عميق وهادئ، يحفظ اسماء من يلتقيهم، ويجبرك على احترامه عندما يهب ويقف للتحية والسلام، حتى للصغار الذين يكن لهم ودا ظاهرا ويحترم وجودهم، ويسأل عنهم دائما وعن أحوالهم. وقالت أنوار إن انجل حين يبدي الناس استحسانهم لفعلته الطيبة يرد بأن ما حدث «هو مشيئة الله» ولا يحبذ كلمات الشكر بقوله: هذا لا شكر عليه ـ هذا ما قضى به ربنا. وقالت إنه يهتم بالجميع ويناقش ويسأل عن ما لا يعرف. سألني عن آية الكرسي المعلقة على لوحة كبيرة في بيتنا وطلب ترجمتها.
No comments:
Post a Comment