بروفيسور/ عبد الرحيم محمد خبير |
الرئيسية النسخة الكاملة للصحيفة الثلاثاء 29 أغسطس 2017
تعتبر فترة الطفولة والصبا من أهم وأجمل الفترات في حياة الفرد فهي تتسم بالبراءة في السلوك والحركة الدؤوبة والشقاوة وحب الإستطلاع والمغامرة. ولا تزال ترتسم في الذاكرة نثار صورة نضرة من فترة الصبا بكل ما فيها من أفراح وأشجان. ولعل من أبرز ذكريات هذه الحقبة الدراسة الثانوية التي تعتبر المرحلة الأكثر حساسية في حياة المرء إذ أنها تمثل منعرجاً مفصلياً في مشوار الحياة المترع في كثير من الأحايين بكل ما هو جديد ومثير.
ما دعاني للتقدمة السالفة حزمة خواطر وذكريات لا تزال تتداعى بين الفينة والأخرى دونما ترتيب مسبق في المخيلة لفترة ذاهية قضاها كاتب هذه الأسطر وثلة من أبناء جيله بمدرسة أم درمان الأهلية الثانوية الحكومية. وتجددت هذه الذكريات العطرة إثر دعوة تلقاها من الصديق وزميل الدراسة الثانوية الصحفي الأستاذ محمد موسى حريكة قبل ست سنوات للإلتقاء بنفر من زملاء الدراسة بأم درمان الأهلية الثانوية تداعوا – بمبادرة منه – للتجمع في أمسية جميلة بحدائق الموردة بأم درمان بهدف جمع شمل أبناء الدفعة (1968-1972م) الذين تفرقت بهم سبل الحياة لما ينيف عن الأربعة عقود من الزمان بعيد تخرجهم في هذه المؤسسة التعليمية ذات التاريخ التليد. و لا ريب أن أول ما يتبادر للذهن عند ذكر إسم "مدرسة أم درمان الأهلية" الحركة الوطنية السودانيه في نضالها ضد المستعمر البريطاني عندما ضيق الفرص التي يلقاها أبناء السودان في المدارس فأنشأت المعاهد التعليمية الوطنية، وكانت المدرسة الأهلية (الوسطى"1927م والثانوية"1945م") أحد أبرز البصمات التعليمية لقادة مؤتمر الخريجين(1938م) الذي تكللت جهوده بحصول هذا الوطن العزيز على إستقلاله في غرة يناير 1956م.
وبرغم أن المجموعة التي حضرت ملتقى أبناء دفعة (1968م) كانت قليلة العدد بسبب شواغل الحياة وإغتراب البعض خارج الوطن إلا أن ذلك اللقاء المصغر أعاد لنا بانوراما جميلة لذكريات عذبة وزمان أخضر كانت فيه العلائق الإجتماعية كأمتن ما تكون إذ أن صروف الزمان ورياح العولمة لم تهب وقتها لتنثر كثيراً من ثوابتنا الإجتماعية. ومرت ساعات اللقاء سراعا ونحن نجتر ذكريات بهيجه ونكشف ثانية عن قفشات وطرائف لا تزال عالقة بالذاكرة. ولعلي - بحكم تخصصي في الآثار والتاريخ القديم - كنت الوحيد بين الجمع أحدق بنظرات ثاقبة متفرساً في أبناء الدفعة الذين شارفوا منتصف الخمسينات من العمر، إذ وخط الشيب رؤوسهم وحرث الزمان أثلام وجوههم، بيد أن بعضاً من حيوية وروح دعابة لا تزال هنالك لم تفارق هذا الرهط من شباب السبعينات المنصرمة.
ومما لاريب فيه أن لكل خريج من مدرسة أم درمان الأهلية الثانوية ذكريات عطرة يفوح عبقها مسكاً وطيباً على مر السنين وتوالى الأجيال. ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر "المدرسة الأهلية" الحركة الوطنية السودانية في نضالها ضد المستعمر البريطاني عندما ضيق الفرص التى يجدها أبناء السودان في المدارس الأميرية، فأنشأت المعاهد التعليمية الوطنية. وإستلهم المؤسسون للمدرسة الأهلية الثانوية الروح الوطنية لقادة الإستقلال فبدأت الدعوة لقيام هذه المؤسسة بمقال نشره البكباشى أحمد عقيل في صحيفة "صوت السودان" في مارس 1945م. وتكونت لجنة من كبار أعيان مدينة أمدرمان لعرض الأمر على مدير المعارف للتصديق بقيام المدرسة. وأصر مدير المعارف البريطاني آنذاك على عدم السماح بقيام المدرسة الثانوية لسببين – كما يرى – هما عدم توفر المال اللازم لأن التعليم الثانوى كانت تكلفته كبيرة حينها كما وأن عدد المدرسين غير كافٍ لقيام مدرسة جديدة. وعند إجتماعه بلجنة المدرسة (عمر إسحاق، سيد أحمد سوار الذهب، عثمان صالح، محمد أحمد البرير، الأمين عبد الرحمن، الدرديرى محمد عثمان، إسماعيل الأزهرى الكبير والبكباشى نور. وأحمد حسن عبد المنعم) إنتفض الشيخ أحمد حسن عبد المنعم وكان عن طريق الصدفة يحمل دفتر شيكاته وقدم لمدير المعارف شيكاً بتوقيعه ليكتب المبلغ المطلوب حتى تقام المدرسة. فما كان من مدير المعارف إلا أن رد الشيك ووافق على قيام المدرسة الأهلية دون قيد أو شرط بعد أن أدرك جدية اللجنة وإصرارها على تنفيذ ما قررته (أنظر د.معتصم أحمد الحاج؛ التعليم الأهلي فى أم درمان2009م: 19-20) كما منح المدرسة قطعة أرض (ملكية عين) فى شمال أم درمان إكتملت مبانيها بتبرعات أهالى أم درمان وبدأت الدراسة فيها فى مطلع 1945م.وتم تحويلها إلى مدرسة حكومية بمقرها الحالي عام 1955م.وأصبحت أحد المدارس الثانوية الكبرى في السودان .وكانت أم درمان الأهلية الثانوية المنافس الأول للمدارس الثلاث الشهيرة بالبلاد(وادي سيدنا،حنتوب وخورطقت).وخلال العقود الثلاثة منذ تأسيسها(1955م) كانت قائمة الشرف للشهادة الثانوية السودانية لاتخلو من طلابها.وكان لدفعتنا التاريخية شرف التميز على مستوى القطر كما وأن ثاني الشهادة الثانوية السودانية عام(1972م) هو إبن دفعتنا وصديقنا الدكتور(مهندس كيميائي) زهير كمال سعيد.
وحضر لقاء جمع الشمل من الزملاء د. محجوب مكي علي (طبيب)، الزين محمد أحمد الدوش (مهندس زراعي) ، جلال الدين النويري (أستاذ جامعي)، محمد موسى حريكة (صحفي) ، العقيد (م) حسن مصطفى إبراهيم ، د. كمال كوكو (إقتصادي) ، عصام الدين أبو سالف ومحمد عثمان عبد العزيز (رجال أعمال) بالإضافة لشخصي الضعيف. وتطرق الجميع لذكريات طيبة إبتدرت بالأيام الأولى بُعيد القبول بالمدرسة الأهلية الثانوية حيث الإنضباط الصارم والذي يتابع الإشراف عليه مجموعة من الأساتذة على رأسهم مدير المدرسة المربي القدير الطيب شبيكة (رحمه الله). ولعل من أبرز علائم الإنضباط التربوي والإداري الإجتماع الإسبوعي(السبت) مع الطلاب في باحة المدرسة إذ كان بمثابة "برلمان" يقدم فيه المدير تقريراً شاملاً عن الأحوال الدراسية والإدارية وما يجابه المدرسة من مشاكل مع تقديم الحلول المقترحة ، علاوة على الإستماع لمشاكل الطلاب والإجابة عن تساؤلاتهم في ما يلي الدراسة والمناشط المختلفة (اللاصفية). وكان مدير المدرسة ورؤوساء الأقسام وبقية أعضاء الهيئة التدريسية يحثون الطلاب دوماً على التميز والتفوق الأكاديمي والثقافي حتى تعتلي المدرسة مكاناً علياً ضمن منظومة المدارس الثانوية السودانية مع الحفاظ على السمعة الطيبة (سلوكاً وإنضباطاً) داخل وخارج الفصول الدراسية.
وتلزم إدارة المدرسة الطالب بضرورة الحفاظ على المظهر العام المتمثل في الهندام النظيف ، إذ كان الزي الرسمي حينها يتكون من رداء (شورت) وقميص رمادي نصف كُم عليه شارة طبع عليها كتاب مفتوح تتوسطه شعلة أشبه بنار برومثيوس في الأسطورة الإغريقية كناية عن نور العلم. وكنا نمشي في الطرقات إختيالاً يتملكنا شعور بالزهو والحبور ونحن نرتدي هذا الزي المدرسي الجميل ولما لا ؟ فقد كانت المارة في الطرقات ترمقنا بنظرات الرضا بإعتبارنا صفوة طلابية قُيِّض لها الإلتحاق بهذه المدرسة العريقة.
بلغ عدد طلاب المدرسة الأهلية في أواخر الستينات (1968م) ومطلع السبعينات (1972م) ما ينيف عن الأربعمائة طالباً موزعين في العديد من الفصول الدراسية التي حملت أسماء الآباء المؤسسين (نور، إسماعيل ، عمر، أحمد حسن ، عثمان صالح والبرير)
وتوجد بداخل المدرسة داخلية صغيرة يسكن فيها عدد قليل من الطلاب القادمين من خارج العاصمة المثلثة بينما تقطن الغالبية منهم الأحياء المجاورة للمدرسة (العمدة، ودنوباوي، أبو روف والثورات). وعندما تم تحويل مدرسة وادي سيدنا الثانوية إلى كلية عسكرية بعد قيام نظام مايو ( 1969م) نقل بعض أساتذة وطلاب هذه المدرسة الرائدة إلى أم درمان الأهلية الثانوية.
وللمدرسة مسجد يعج دوماً بالمصلين، إضافة إلى الطلاب الذي كانوا يقبعون بداخله حيناً للإستذكار سيما في مواسم الإمتحانات. وثمة مكتبة غنية بالمراجع العربية والإنجليزية تجد إهتماماً كبيراً من الطلاب الذين تميزوا بالتفوق الدراسي. وكانت المنافسة بينهم شديدة للغاية ويندر أن تجد طالباً يحتل ذيل القائمة في النتيجة العامة للامتحانات بسبب إشتراك الغالبية في المراتب المتقدمة مما يؤمئ بتقارب المستويات الأكاديمية.
وأبدت إدارة المدرسة إهتماماً لافتاً بالنشاطات اللاصفية وخصصت للنشاط الرياضي زمناً معلوماً في الجداول الدراسية وكان الطلاب يزاولون ضروباً متنوعة من الرياضة (كرة القدم، السلة ، الطائرة ، تنس الطاولة) تحت إشراف متخصص في التربية البدنية. ومن أبرز أبناء دفعتنا في المجال الرياضي لاعب المريخ السابق والمدرب المعروف محمد عبد الله (مازدا) وحاتم أمير (لاعب فريق أبوروف السابق والأستاذ في كلية الإقتصاد بجامعة الجزيرة ) وعبد الدافع محمد عبد الدافع (الكاملين).
وضمت جمعية المسرح بالمدرسة الأهلية الثانوية في بواكير السبعينات عدداً من أبناء الدفعة أبرزهم عبد الله السيد، محمد الأمين حميدة ، السيد بن عمر عبد العزيز وعبد الرحيم محمد خبير. وإتسمت هذه الجمعية بالنشاط الإبداعي المستمر إذ ظلت تشارك في كل المناسبات والإحتفالات الخاصة بالمدرسة والتي يبرز فيها الطلاب إبداعاتهم الفنية والأدبية ، فضلاً عن إقامة المعارض العلمية والثقافية التي يؤمها أولياء الأمور والأقارب ولفيف من التربويين. وللمدرسة جمعية للموسيقى ذات حضور دائم في الإحتفالات المدرسية والدورات القومية. أما جمعية الوسائل السمعية والبصرية فقد إهتمت بالإشراف على إذاعة المدرسة الداخلية التي كانت تبث على مدار اليوم الدراسي المدائح النبوية والأغاني والأناشيد الوطنية كما كانت تتعاون مع إدارة المدرسة لترتيب أجهزة التلفاز التي تستخدم لعرض البرامج التعليمية ذات الصلة بالمنهج العلمي المقرر.
كان التدريب العسكري بالمدرسة الأهلية الثانوية بأمدرمان (الكديت – Cadet) إختيارياً وتميز أداؤه بالإنضباط والحزم. وإنخرطت مجموعة من أبناء الدفعة في هذا النشاط أبرزهم مطرف صديق نميري، محمد محجوب عبد الرحمن (بلورة) ، عادل كمال حاج الخضر ، محمد موسى حريكة ، حمزة عباس، حسن مدثر الحجاز، حسن مصطفى إبراهيم، محمد الربيع، عمار خالد، حسن وداعة الحسن ، حاتم الياس ومحمد عثمان عبد العزيز (منقا) وصلاح الشيخ. ويشرف على الكديت ثلاثة من الصولات هم رمضان، سمير، ورابح. وكان الغياب من الكديت دونما عذر مقبول يعرض صاحبه لجزاء رادع.
ولا ينسى أبناء دفعتنا الحوارات السياسية الساخنة التي كان مقرها الرئيسي كافتيريا الطلاب، وتشمل التنظيمات السياسية في المدرسة الأهلية الثانوية في ذلك الزمان: الإتجاه الإسلامي ، الجبهة الديمقراطية،حزب الأمة،الإتحادي الديمقراطي كما ظهرت مجموعة سياسية جديدة تمثل المايويين باسم تنظيم "الاتحاد الاشتراكي السوداني". وكانت فعاليات هذه التنظيمات السياسية تستعين بكوادرها المدربة. من خارج المدرسة وبخاصة من جامعة الخرطوم لإقامة الندوات السياسية. ويلاحظ أن السجالات السياسية بين طلاب هذه التنظيمات السياسية كان يشتد أوارها أحياناً وترتفع درجة حرارتها دونما عنف أو خروج عن السلوك العام إذ سرعان ما يفيء هؤلاء الطلاب إلى الهدوء بعد إنتهاء النقاش ويغادرون المكان أخواناً متحابين وليس بينهم سوء تفاهم.
ولعل من الملفت للانتباه لأبناء دفعتنا وللدفعات التي درست بالمدرسة الأهلية الثانوية في عقدي الستينات والسبعينات التجهيزات المتكاملة لمختبرات العلوم التطبيقية (الفيزياء، الكيمياء والأحياء) إذ ذودت بكل إحتياجاتها من أجهزة ومواد معملية وكان يشرف عليها فنيون حاذقون للمهنة. أما الهيئة التدريسية للمدرسة فقد ضمت كواكب نيرّة من الأساتيذ لا تزال الذاكرة تحتفظ بأسماء بعضهم. وأذكر منهم: محمد عبد القادر كرف، محي الدين فارس، محمد بابكر دشين (ثلاثتهم شعراء مشهورون) ، سيد الياس سيدهم ، الزين محمد وبركات إبراهيم بركات (قسم اللغة العربية) ؛ مستر وليمز (رئيس قسم) ، مستر هنتر(بريطانيان)، عبد الرحمن شداد ، محمد سعد دياب (شاعر معروف)، السر حمزة، التيجاني أبو القاسم ، بشير عامر، إبراهيم أمبابي ، سر الختم نورين (قسم اللغة الإنجليزية)؛ عبد المنعم إبراهيم ، عثمان دبلوك ، كمال حسن شمينا، عبد الرحمن العاقب، عمر حسن الطيب الهاشمابي، محمد عثمان الدرديري (قسم التاريخ) ؛ حسين الغول، خليل سمساعة، السر مكي ، محمد عوض، محمد نورين ، صلاح ماس، جلال نصر (فلسطيني) (قسم الرياضيات)؛ محمد إدريس (الشهير باللويّر – Lawyer) ، تاج السر عطية ، عبد الرحمن حسن، عوض الصاوي، أحمد غبوش (قسم الجغرافيا)؛ عبد الله سمساعة، نايف عبد الله مسعود (فلسطيني) (قسم الفيزياء) ، محمد قباني وعاصم إسكندر (قسم الأحياء) وعبد العزيز محمد عبد العزيز (قسم الكيمياء) ، حسن إسحق وحسن محمد خير (قسم الفنون). أطال الله عمر من كان على قيد الحياة والرحمة والمغفرة لمن رحل إلى دار الخلود.
ولا مندوحة من ذكر أسماء بعض الزملاء الذين إشتهروا بخفة الظل والسخرية المحببة للنفس وهم: خليفة عمر سليمان (من أبناء منطقة الفششوية- النيل الأبيض) وعادل كمال (إداري بالخارجية) ، والزين محمد أحمد الدوش (مهندس زراعي) وإبن عمر عبد العزيز (مهندس ميكانيكي) وألفة "فصل أولي نور" عبد الله السيد (موظف بوكالة سونا) .ومن الزملاء العالقين بالذاكرة عادل عبد الباري ، فتحي عبد المطلب ، عبد الرحمن الشنقيطي،مهدي محمد سعيد الأسد ، صلاح حسن الشيخ، حامد أمير الصاوي ومحمد محجوب عبدالرحمن (بلورة) (أطباء) ، عزمي زين العابدين طه (مهندس كهربائي)،عبدالله عبدالوهاب(زراعي)،وني عثمان وني(إقتصادي) ، محمد عثمان عبد العزيز وعباس فضل الله ، حسين حسن تربال (رجال أعمال) ، جلال الدين النويري وبشرى محمد أحمد أبو شورة (أساتذة جامعيين) ، عثمان الصاوي عبد الماجد (طبيب بيطري) (رحمه الله).
وكانت الصحف الحائطية للمدرسة الأهلية الثانوية ترفدنا بمقالات ثرّة تعريفية بالأدباء السودانيين في مقدمتهم العلاّمة عبد الله الطيب والروائي الطيب صالح والشعراء محمد مفتاح الفيتوري، محمد المهدي المجذوب ،صلاح أحمد إبراهيم ،محمد المكي إبراهيم ،محمد عبد الحي ،مصطفى سند ،محي الدين فارس وغيرهم. وكان أستاذنا في مادة اللغة العربية (البلاغة) الشاعر القدير محمد عبد القادر كرف من المعجبين بعبد الله الطيب. ولكم أتحفنا بقراءات لنصوص شعرية من دواوينة مع التعليق عليها وإبراز ما فيها من محاسن وإبداع. ولا تزال الذاكرة تحتفظ بتفاصيل درس في البلاغة ألقاه على مسامعنا الأستاذ كرف بحضور صديقه شاعر الحقيبة المعروف إبراهيم العبادي وأتبعه ببعض الأسئلة التي أجاب عنها الطلاب بإمتياز. وأعجب العبادي بمستوى الطلاب وتفاعلهم مع الدرس وقال نصاً حرفاً مخاطباً أستاذ كرف "هؤلاء التلامذة أدباء بحق وحقيقة " ويبدو أن نبوءة إبراهيم العبادي قد تحققت فنبغ نفر من أبناء دفعتنا في الشعر والخطابة والنقد الأدبي ، أذكر منهم جلال الدين النويري الذي كثيراً ما إتحفنا بأشعاره العذبة وإدريس البشرى محمد سعيد الخطيب المفوه ومحمد السر طه (المحامي) المحاور والمتحدث اللبق والسر أحمد طه صاحب الأسلوب الأدبي المميز والذي وظفه في الإعلام الرياضي، ومحمد حسن فقيري الطبيب الأديب. وبرز في الإعلام الصحفي من أبناء الدفعة محمد موسى حريكة (صحيفة الأيام سابقاً) وعثمان ميرغني عبد الله (مدير تحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية). أما زميلنا كمال كوكو فقد كان فناناً تشكيلياً متميزاً ، غير أنه لم يتخذ من الفنون مهنة وإتجه في دراسته الجامعية للإقتصاد ليصير مستشاراً إقتصادياً لأحدى الشركات السعودية.
ولعل من أبرز الفواجع التي عاصرتها دفعتنا (1968-1972م) غرق مجموعة من الزملاء(السنة الثالثة) في النيل الأزرق بمنطقة ودراوه (الجزيرة) حيث كانوا في رحلة ترفيهية خلال عطلة نصف العام الدراسي وهم: أبو القاسم حسن محمد، أبو مدين ميرغني موسى، أحمد الفكي محمد رحمة، عبد الباسط حسن أبو مدين وعبد الرؤوف عثمان كردش (تغمدهم الله برحمته). وتخليداً لذكراهم فقد وضعت لوحة تذكارية قبالة مكتب مدير المدرسة تحتوي على أسمائهم وتاريخ إستشهادهم في 27/9/1969م.
وثمة إشارة هنا، وهى أن خريجى المدرسة الأهلية بأم درمان شديدو الإعتزاز بإنتمائهم إليها ولا يعتبرونها مجرد أبنية يقبع بداخلها السجل التاريخى لماضى تعليمهم فى زمن الصبا وألق الشباب الباكر، بل ينظرون إليها في المقام الأول بإعتبارها صرحاً وطنياً تاريخياً يرمز لنضال أهل السودان بعامة ومواطني أم درمان على وجه الخصوص فى مجال التعليم الأهلي والذي تماهى مع الحركة الوطنية السودانية (1938-1956م) من أجل تنمية الوعى القومى وتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى وأبرزها إستقلال البلاد من ربقة الإستعمار البريطاني. لهذا فهم حريصون أيما حرص على هذا الرمز التاريخي إستمراريةً وتطويراً لأنه يمثل ذاكرة الأمة فى حقل التربية والتعليم.
وإستلهاماً لهذه المجاهدات العظيمة لأسلافنا الأماجد فى كل الميادين وبخاصة فى مجال التعليم، فقد تداعى نفر من خريجي مدرسة أم درمان الأهلية الثانوية إلى تشكيل رابطة للخريجين ظهرت إلى حيز الوجود فى (26/11/2011م) برئاسة الدكتور سيف الإسلام سعد عمر وعبد الرحيم محمد خبير سكرتيراً، ومنتصر أبارو أميناً للمال وعضوية (15) خريجاً آخرين. وأبرز أهداف هذه الرابطة الإهتمام بالمدرسة وتوفير إحتياجاتها وإسترداد حقوقها بالوسائل القانونية والعمل على خلق وتقوية الروابط الإجتماعية والثقافية بين الخريجين مع تنفيذ المشروعات المقدمة من المجلس التربوى لتأهيل البنية التحتية وتهيئة الأجواء الأكاديمية المعافاة. وإستطاعت الرابطة – برغم عمرها القصير – تنفيذ بعض المشروعات أهمها فتح حساب بنكي، تأهيل المكتبة العامة والإلكترونية والمسرح المدرسي وتوفير ماكينة تصوير ناسخة وصهريج مياه مع تنسيق مدخل المدرسة "تشجيراً وتزييناً" وإنشاء موقع الكتروني "Web-Site" بغرض تمتين التواصل بين الخريجين وبينهم وإدارة المدرسة والمجلس التربوي.
وتكونت في يونيو2013م رابطة جديدة للخريجين برئاسة عبدالرحيم محمد خبير،أحمد عبدالرازق أميناً عاماً،منتصر أبارو أميناً للمال،صديق الترابي مشرفاً للخدمات ،صديق يحي مشرفاً إجتماعيا،محمد صديق عمر الإمام مستشاراً قانونياً،بالإضافة إلى عضوية آخرين. ومما لاريب فيه أن أهم أهداف رابطة الخريجين العمل بشكل متكامل فى تنفيذ الخطط الآنية والمستقبلية لهذه المؤسسة الأنموذج وإعادتها لسيرتها الأولى مع تذليل كافة الصعاب التى تقعد بها عن أداء رسالتها على الوجه الأكمل بإعتبارها منارة تعليمية رائدة ترتكز على إرث تاريخي مؤثل.والله المستعان.
ولا ينسى أبناء دفعتنا الحوارات السياسية الساخنة التي كان مقرها الرئيسي كافتيريا الطلاب، وتشمل التنظيمات السياسية في المدرسة الأهلية الثانوية في ذلك الزمان: الإتجاه الإسلامي ، الجبهة الديمقراطية،حزب الأمة،الإتحادي الديمقراطي كما ظهرت مجموعة سياسية جديدة تمثل المايويين باسم تنظيم "الاتحاد الاشتراكي السوداني". وكانت فعاليات هذه التنظيمات السياسية تستعين بكوادرها المدربة. من خارج المدرسة وبخاصة من جامعة الخرطوم لإقامة الندوات السياسية. ويلاحظ أن السجالات السياسية بين طلاب هذه التنظيمات السياسية كان يشتد أوارها أحياناً وترتفع درجة حرارتها دونما عنف أو خروج عن السلوك العام إذ سرعان ما يفيء هؤلاء الطلاب إلى الهدوء بعد إنتهاء النقاش ويغادرون المكان أخواناً متحابين وليس بينهم سوء تفاهم.
ولعل من الملفت للانتباه لأبناء دفعتنا وللدفعات التي درست بالمدرسة الأهلية الثانوية في عقدي الستينات والسبعينات التجهيزات المتكاملة لمختبرات العلوم التطبيقية (الفيزياء، الكيمياء والأحياء) إذ ذودت بكل إحتياجاتها من أجهزة ومواد معملية وكان يشرف عليها فنيون حاذقون للمهنة. أما الهيئة التدريسية للمدرسة فقد ضمت كواكب نيرّة من الأساتيذ لا تزال الذاكرة تحتفظ بأسماء بعضهم. وأذكر منهم: محمد عبد القادر كرف، محي الدين فارس، محمد بابكر دشين (ثلاثتهم شعراء مشهورون) ، سيد الياس سيدهم ، الزين محمد وبركات إبراهيم بركات (قسم اللغة العربية) ؛ مستر وليمز (رئيس قسم) ، مستر هنتر(بريطانيان)، عبد الرحمن شداد ، محمد سعد دياب (شاعر معروف)، السر حمزة، التيجاني أبو القاسم ، بشير عامر، إبراهيم أمبابي ، سر الختم نورين (قسم اللغة الإنجليزية)؛ عبد المنعم إبراهيم ، عثمان دبلوك ، كمال حسن شمينا، عبد الرحمن العاقب، عمر حسن الطيب الهاشمابي، محمد عثمان الدرديري (قسم التاريخ) ؛ حسين الغول، خليل سمساعة، السر مكي ، محمد عوض، محمد نورين ، صلاح ماس، جلال نصر (فلسطيني) (قسم الرياضيات)؛ محمد إدريس (الشهير باللويّر – Lawyer) ، تاج السر عطية ، عبد الرحمن حسن، عوض الصاوي، أحمد غبوش (قسم الجغرافيا)؛ عبد الله سمساعة، نايف عبد الله مسعود (فلسطيني) (قسم الفيزياء) ، محمد قباني وعاصم إسكندر (قسم الأحياء) وعبد العزيز محمد عبد العزيز (قسم الكيمياء) ، حسن إسحق وحسن محمد خير (قسم الفنون). أطال الله عمر من كان على قيد الحياة والرحمة والمغفرة لمن رحل إلى دار الخلود.
ولا مندوحة من ذكر أسماء بعض الزملاء الذين إشتهروا بخفة الظل والسخرية المحببة للنفس وهم: خليفة عمر سليمان (من أبناء منطقة الفششوية- النيل الأبيض) وعادل كمال (إداري بالخارجية) ، والزين محمد أحمد الدوش (مهندس زراعي) وإبن عمر عبد العزيز (مهندس ميكانيكي) وألفة "فصل أولي نور" عبد الله السيد (موظف بوكالة سونا) .ومن الزملاء العالقين بالذاكرة عادل عبد الباري ، فتحي عبد المطلب ، عبد الرحمن الشنقيطي،مهدي محمد سعيد الأسد ، صلاح حسن الشيخ، حامد أمير الصاوي ومحمد محجوب عبدالرحمن (بلورة) (أطباء) ، عزمي زين العابدين طه (مهندس كهربائي)،عبدالله عبدالوهاب(زراعي)،وني عثمان وني(إقتصادي) ، محمد عثمان عبد العزيز وعباس فضل الله ، حسين حسن تربال (رجال أعمال) ، جلال الدين النويري وبشرى محمد أحمد أبو شورة (أساتذة جامعيين) ، عثمان الصاوي عبد الماجد (طبيب بيطري) (رحمه الله).
وكانت الصحف الحائطية للمدرسة الأهلية الثانوية ترفدنا بمقالات ثرّة تعريفية بالأدباء السودانيين في مقدمتهم العلاّمة عبد الله الطيب والروائي الطيب صالح والشعراء محمد مفتاح الفيتوري، محمد المهدي المجذوب ،صلاح أحمد إبراهيم ،محمد المكي إبراهيم ،محمد عبد الحي ،مصطفى سند ،محي الدين فارس وغيرهم. وكان أستاذنا في مادة اللغة العربية (البلاغة) الشاعر القدير محمد عبد القادر كرف من المعجبين بعبد الله الطيب. ولكم أتحفنا بقراءات لنصوص شعرية من دواوينة مع التعليق عليها وإبراز ما فيها من محاسن وإبداع. ولا تزال الذاكرة تحتفظ بتفاصيل درس في البلاغة ألقاه على مسامعنا الأستاذ كرف بحضور صديقه شاعر الحقيبة المعروف إبراهيم العبادي وأتبعه ببعض الأسئلة التي أجاب عنها الطلاب بإمتياز. وأعجب العبادي بمستوى الطلاب وتفاعلهم مع الدرس وقال نصاً حرفاً مخاطباً أستاذ كرف "هؤلاء التلامذة أدباء بحق وحقيقة " ويبدو أن نبوءة إبراهيم العبادي قد تحققت فنبغ نفر من أبناء دفعتنا في الشعر والخطابة والنقد الأدبي ، أذكر منهم جلال الدين النويري الذي كثيراً ما إتحفنا بأشعاره العذبة وإدريس البشرى محمد سعيد الخطيب المفوه ومحمد السر طه (المحامي) المحاور والمتحدث اللبق والسر أحمد طه صاحب الأسلوب الأدبي المميز والذي وظفه في الإعلام الرياضي، ومحمد حسن فقيري الطبيب الأديب. وبرز في الإعلام الصحفي من أبناء الدفعة محمد موسى حريكة (صحيفة الأيام سابقاً) وعثمان ميرغني عبد الله (مدير تحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية). أما زميلنا كمال كوكو فقد كان فناناً تشكيلياً متميزاً ، غير أنه لم يتخذ من الفنون مهنة وإتجه في دراسته الجامعية للإقتصاد ليصير مستشاراً إقتصادياً لأحدى الشركات السعودية.
ولعل من أبرز الفواجع التي عاصرتها دفعتنا (1968-1972م) غرق مجموعة من الزملاء(السنة الثالثة) في النيل الأزرق بمنطقة ودراوه (الجزيرة) حيث كانوا في رحلة ترفيهية خلال عطلة نصف العام الدراسي وهم: أبو القاسم حسن محمد، أبو مدين ميرغني موسى، أحمد الفكي محمد رحمة، عبد الباسط حسن أبو مدين وعبد الرؤوف عثمان كردش (تغمدهم الله برحمته). وتخليداً لذكراهم فقد وضعت لوحة تذكارية قبالة مكتب مدير المدرسة تحتوي على أسمائهم وتاريخ إستشهادهم في 27/9/1969م.
وثمة إشارة هنا، وهى أن خريجى المدرسة الأهلية بأم درمان شديدو الإعتزاز بإنتمائهم إليها ولا يعتبرونها مجرد أبنية يقبع بداخلها السجل التاريخى لماضى تعليمهم فى زمن الصبا وألق الشباب الباكر، بل ينظرون إليها في المقام الأول بإعتبارها صرحاً وطنياً تاريخياً يرمز لنضال أهل السودان بعامة ومواطني أم درمان على وجه الخصوص فى مجال التعليم الأهلي والذي تماهى مع الحركة الوطنية السودانية (1938-1956م) من أجل تنمية الوعى القومى وتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى وأبرزها إستقلال البلاد من ربقة الإستعمار البريطاني. لهذا فهم حريصون أيما حرص على هذا الرمز التاريخي إستمراريةً وتطويراً لأنه يمثل ذاكرة الأمة فى حقل التربية والتعليم.
وإستلهاماً لهذه المجاهدات العظيمة لأسلافنا الأماجد فى كل الميادين وبخاصة فى مجال التعليم، فقد تداعى نفر من خريجي مدرسة أم درمان الأهلية الثانوية إلى تشكيل رابطة للخريجين ظهرت إلى حيز الوجود فى (26/11/2011م) برئاسة الدكتور سيف الإسلام سعد عمر وعبد الرحيم محمد خبير سكرتيراً، ومنتصر أبارو أميناً للمال وعضوية (15) خريجاً آخرين. وأبرز أهداف هذه الرابطة الإهتمام بالمدرسة وتوفير إحتياجاتها وإسترداد حقوقها بالوسائل القانونية والعمل على خلق وتقوية الروابط الإجتماعية والثقافية بين الخريجين مع تنفيذ المشروعات المقدمة من المجلس التربوى لتأهيل البنية التحتية وتهيئة الأجواء الأكاديمية المعافاة. وإستطاعت الرابطة – برغم عمرها القصير – تنفيذ بعض المشروعات أهمها فتح حساب بنكي، تأهيل المكتبة العامة والإلكترونية والمسرح المدرسي وتوفير ماكينة تصوير ناسخة وصهريج مياه مع تنسيق مدخل المدرسة "تشجيراً وتزييناً" وإنشاء موقع الكتروني "Web-Site" بغرض تمتين التواصل بين الخريجين وبينهم وإدارة المدرسة والمجلس التربوي.
وتكونت في يونيو2013م رابطة جديدة للخريجين برئاسة عبدالرحيم محمد خبير،أحمد عبدالرازق أميناً عاماً،منتصر أبارو أميناً للمال،صديق الترابي مشرفاً للخدمات ،صديق يحي مشرفاً إجتماعيا،محمد صديق عمر الإمام مستشاراً قانونياً،بالإضافة إلى عضوية آخرين. ومما لاريب فيه أن أهم أهداف رابطة الخريجين العمل بشكل متكامل فى تنفيذ الخطط الآنية والمستقبلية لهذه المؤسسة الأنموذج وإعادتها لسيرتها الأولى مع تذليل كافة الصعاب التى تقعد بها عن أداء رسالتها على الوجه الأكمل بإعتبارها منارة تعليمية رائدة ترتكز على إرث تاريخي مؤثل.والله المستعان.
No comments:
Post a Comment